من طرف الثلج الاسود الثلاثاء يناير 07, 2014 6:31 pm
hid] قد يعتبر البعض أن (الابتذال الفكري) هو ذلك الخطاب الذي يُخاطب الغرائز ويستثير الشهوات، ولكن الحقيقة تقول إن ذلك النوع من التوجهات هو ابتذال دون شك، ولكنه لا يُمكن أن يرقى ليكون فكراً على الإطلاق؛ فهو خاوٍ من عناصر التفكير التي تتطلّب إعمالاً للعقل للارتقاء بالجهد البشري والريادة العقلية لتحليل وتنظيم وتطوير مختلف الأبعاد الحياتية، ولقد ظلّ - عبر التاريخ البشري من أدبيات الكلام المنطوق والمكتوب - يدور في محاور لا تتبدّل ولا تتغيّر حيث تهبط بالإنسان دوماً إلى الدوافع الغرائزية البدائية، مكرّرةً ذات الانفعالات والتخيلات والأوهام لتُثير عواصف نفسية واجتماعية تتفاوت بحسب درجة الانغماس في عالم الغرائز من ناحية، ومعايير المجتمع الأخلاقية والدينية والتشريعية من ناحية أخرى.
لا يهمّنا هنا أن نتوقّف أمام تلك التوجهات ذات المواصفات الغرائزية؛ فهي بطبيعتها وتركيبتها كانت - قديماً وحديثاً - مثار احتقار واستهجان واستنكار عند بداية ظهورها في المجتمعات، وكلما ألف المجتمع منها صنفاً تمادت إلى صنف آخر أشدّ إثارة وتصادماً وتطاولاً في بحثها وانكبابها على ما يصفونه بـ(المسكوت عنه)، إلاّ أنها في نهاية المطاف، وهذا هو المهمّ، لا تُقدّم قيماً فكرية، ولا تصنع تطوراً، ولا تحلّ إشكالات اجتماعية أو سياسية أو تنموية.
بطبيعة الحال لا ينبغي أن نتوقف طويلاً أمام تلك الصيحات التي ترد في مقام الدفاع عن تلك التوجهات مثل مزاعم (حرية التعبير) و(حق المعرفة) و(آفاق الإبداع)؛ فالحرية لا يُمكن أن تكون انفلاتاً من قيم المجتمع ومنظومة أخلاقه، و(المعرفة) لا يصحّ أن تُصبح إمعاناً في الشذوذ وإثارة انفعالات المراهقة، و(الإبداع) لا يترعرع في أحضان تكريس الرذيلة وتسويق معطياتها.
أما إذا أصرّ البعض على أن ينسب تلك التوجهات إلى (الفكر) فإننا نبارك لهم ذلك الحرص بتأكيد أنها (تلوث فكري)، وكما هو الحال مع أنواع (التلوث البيئي) التي حاصرت المجتمعات المعاصرة، فإن ردود الأفعال المتّزنة ينبغي أن تهتم - في هذه الحالة - بتقليص آثارها، وتحجيم مصادرها، وتجفيف منابعها، ولا يكون نسبها هنا إلى (الفكر) تعبيراً عن التقدير أو الحظوة، ولكنه تحديد لأبعاد خطرها على ذلك الأمر الذي نُسبت إليه، لتُصبح تلك الأعمال من (عوادم الفكر) الذي ينبغي خفض نسبته في (الفضاء الفكري) كما هو الحال مع (عوادم الاحتراق) التي يهتم بخفضها العالم بأسره لحماية البيئة والحياة البشرية.
مسكينة تلك (الفضائيات الفضائحية) التي تميّزت بالعريّ وتراقص الأجساد على شاشاتها فهي لم تُتقن بعد أصول اللعبة، ولم تجد حتى الآن من يتصدّى بعنفوان للدفاع عنها بحجّة (الفن الرمزي ) أو(الإبداع التصويري)، ولعل أربابها، لحفظ ماء الوجه، يتعلّمون شيئاً من الدفاع المستميت الذي نراه على الساحة الثقافية عن ذلك النوع من الانحلال في الرواية والشعر والنثر المكتوب.
ما علينا، فما يهمنا هنا هو تبرئة ساحة (الفكر) من تلك التشوهات المنغمسة في أوبئة الغرائز ومستنقعات الشهوات..والمهتمة بترسيخ أولوية المتعة الجسدية واللذة الحسّية، مما يدفعنا إلى رفض إطلاق اسم (الابتذال الفكري) عليها، وهذا يقودنا - بالضرورة - إلى تعريفٍ لمصطلح (الابتذال الفكري) يكون أقرب إلى المعاني المناسبة لذلك السلوك، وأصدق التصاقاً بالجانب الفكري.
السؤال إذن هو: (كيف يُبتذل "الفكر")؟، وفي رأيي أن ذلك الأمر يتحقّق عندما يتحوّل (الفكر) بين يدي المثقف إلى وسيلة لا تهمّها الحقيقة أو المعرفة بقدر ما توظّف ذلك لإحداث ضجيج أو إرضاء طرف ما، وقد تحدّث الكثيرون عن (مثقفي السلطان)، ولا يقلّ خطراً عنهم (مثقفو الجمهور) الذين يُداعبون المشاعر، ويستغلون العواطف، ويبحثون عن التصفيق؛ وهكذا وقعت (الثقافة العربية) - منذ أمد طويل - بين مطرقة مثقفين حريصين على تشويه الحقيقة لإرضاء السلطة، وبين آخرين راحوا يبحثون عن طرق استرضاء الجمهور وكسب تعاطفه، لتضيع الحقيقة في متاهات عمليات الاسترضاء، وتذوى مقوّمات الأمة الفكرية والروحية والتنموية، ولعل أقل المثقفين خطراً أولئك الذين آثروا الصمت، واعتزلوا المهمة، واقتنعوا بأن (الوقوف على الجبل أسلم).
وهكذا على مرّ قرون من الصراعات والطموحات والانتكاسات غاب (الدور التنويري - التنموي) للمثقف؛ فبدلاً من مخاطبة العقول وتطوير المدارك وتعميق المعرفة، انزلق (الخطاب الثقافي) - في عمومه - إلى دور غوغائي يستدرّ العاطفة، ويُخاطب الانفعالات، ويغتال الحكمة، ليُصبح - في نهاية المطاف - تعبيراً عن عقد نفسية وشخصية أكثر منه طرحاً لرؤى معرفية قادرة على بلورة الواقع، وتشخيص الحال، واستشراف المستقبل؛ وهكذا تكتمل حلقة (الوأد المعرفي) عندما يُوظّف المثقف ذكاءه ومعرفته وفكره في خدمة جهالة عاطفية، وحماس جامح،وأوهام جانحة، وهذا - لعمْري - من أبشع صور (الابتذال الفكري). منقوول [/size] |
|
أمس في 8:42 pm من طرف مدام ششريهان
» Real Estate Agency in Hurghada
الخميس سبتمبر 12, 2024 9:28 pm من طرف جنى بودى
» دورات وبرامج تدريب في قطاع الاتصالات من الأكاديمية البريطانية
الأربعاء سبتمبر 11, 2024 9:09 pm من طرف جنى بودى
» دورات وبرامج تدريب في إدارة الأزمات والكوارث
الثلاثاء سبتمبر 10, 2024 9:31 pm من طرف جنى بودى
» الأكاديمية البريطانية للتدريب والتطوير
الثلاثاء سبتمبر 10, 2024 6:41 pm من طرف جنى بودى
» شركة بريزم أجهزة كشف الذهب والمعادن
الإثنين سبتمبر 09, 2024 10:20 pm من طرف جنى بودى
» موقع ربحي يعطيك USDT مجانا كل يوم 0.3$ - مع اثبات الدفع
الجمعة سبتمبر 06, 2024 11:42 am من طرف مدام ششريهان
» أوبل: الحل الأمثل لفوترة أعمالك
الخميس سبتمبر 05, 2024 8:31 pm من طرف جنى بودى
» Real Estate in hurghada
الجمعة أغسطس 30, 2024 3:10 pm من طرف جنى بودى
» مصنع الفرسان العربية للزجاج السيكوريت
السبت أغسطس 24, 2024 6:54 pm من طرف جنى بودى