المواضيع الأخيرة
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 97 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 97 زائر :: 3 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 677 بتاريخ الثلاثاء ديسمبر 05, 2023 10:38 pm
حكمة اليوم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1265 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو عادل0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 90169 مساهمة في هذا المنتدى في 31147 موضوع
المواضيع الأكثر شعبية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
الحج وتفسير سورة الحج
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
الحج وتفسير سورة الحج
الحج في سورة الحج
من الآية (58) إلى آخر السورة
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 103].
﴿ يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً * يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم وَيَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً ﴾ [الأحزاب:69 - 70].
أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إنها سورة الحج، قال الله تعالى في الآية الثامنةِ والخمسين: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين ﴾ [الحج:58]، والحجُّ هجرةٌ من الأوطان، ومفارقةٌ للأهل والأصحابِ والخلان، ففي الحجيج مشابهةٌ بالمجاهدين في سبيل الله سبحانه، فهم معرَّضون للقتل من قطاع الطرق واللصوص، أو الموت بحادث أو مرض ونحوه، فالله يتولاهم في دنياهم وأخراهم، ولن يضيع أعمالهم، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" متفق عليه. قال النووي: [وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِنَّهُ يُبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مُلَبِّيًا، وَمُلَبِّدًا، وَيُلَبِّي) مَعْنَاهُ: عَلَى هَيْئَته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا، وَمَعَهُ عَلامَةٌ لِحَجِّهِ، وَهِيَ دَلالَةُ الْفَضِيلَة، كَمَا يَجِيء الشَّهِيد يَوْم الْقِيَامَة وَأَوْدَاجه تَشْخَب دَمًا]. من شرح النووي على مسلم.
وأورد ابن حجر في فتح الباري: [عَنْ عَابِس بْن رَبِيعَة -وَهُوَ بِمُوَحَّدَةِ وَمُهْمَلَة- أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر يَقُول وَهُوَ يَخْطُب: (إِذَا وَضَعْتُمْ السُّرُوج؛ فَشُدُّوا الرِّحَال إِلَى الْحَجّ وَالْعُمْرَة، فَإِنَّهُ أَحَد الْجِهَادَيْنِ) وَمَعْنَاهُ؛ إِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ الْغَزْو؛ فَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَتَسْمِيَةُ الْحَجّ جِهَادًا؛ إِمَّا مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ أَوْ عَلَى الْحَقِيقَة، وَالْمُرَاد جِهَادُ النَّفْس؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِدْخَال الْمَشَقَّة عَلَى الْبَدَن وَالْمَال..] فتح الباري (3/ 381).
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ؛ أَفَلا نُجَاهِدُ؟! قَالَ: "لا! لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ؛ حَجٌّ مَبْرُورٌ" البخاري (1520) فتح الباري (3/ 381). أي والله إن المجاهدين والحجاج ﴿ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيم ﴾ [الحج: 59]
إن ما يحدث بين الحجيج من بعض الخلافات الكلامية، والاعتداءات المعنوية التي تصدر من هنا وهناك، تذكرنا بها هذه الآية ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُور ﴾ [الحج: 60] فتحثنا على الصبر والصفح والعفو واحتمال الآخرين.
ألا واعلموا أيها الحجيج خاصة والناس عامة! أن الأعمارَ كلَّها أيامٌ وليالٍ، بل الدنيا كلُّها أيامٌ وليال، كيف يكون ذلك؟ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير ﴾ [الحج: 61]
أيها الحجاج! وحِّدوا الله، واعبدوه ولا تشركوا من دونه أحدا، فكل معبود غيره فهو باطل ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير ﴾ [الحج: 62] فالطواف عبادة فلا طاف بغير بيته، ولا قبلةَ غير بيته، ولا حج إلاّ إلى بيته. ولا نتوجه بالدعاء إلا إليه، ولا نتوكل إلا عليه.
فهذه الآيات الكونية المرئية كما تدلُّ على وحدانية الله سبحانه، قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير ﴾ [الحج: 63]؛ فكذلك العبودية لا تكون إلا له وحده سبحانه، وهو غني عنا عبادة العباد، لماذا لأن ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد ﴾ [الحج: 64].
أيها الحاج! إذا كنت قد أتيت تضرب فجاج الأرض التي سخرها لك الله جل جلاله، فوحد الله عندما ترى الجبال الشامخة، والأراضي الشاسعة، والبلدان الواسعة، والسهول والوهاد والمرتفعات والوديان..، وإن جئت حاجًّا تمخر عباب البحار؛ فتفكر في تلاطم الأمواج، وبعد غور المياه، وطعمها الملح الأجاج، وما فيها من مختلف الأسماك والحيوانات التي تراها تجري من حولك أفواج أفواج، فسبح من سخرها للإنسان لحما طريا.
وإن جئت تشق الهواء عبر السحاب؛ فوحد الله سبحانه الذي سخر لك هذا وما كنت له من المقرنين، ترى من تحتك السحاب والغيوم، ومن فوقك الفضاء والنجوم، فسبح بحمد ربك حين تقعد وحين تقوم، هذا كله من تيسير الله لنا وتسخيره. قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم ﴾ [الحج: 65] أي واللهِ إن الله بالناس لرؤوف رحيم.
أيها الحجاج! إنه الله، منه بداية الخلق، وإليه نهايتهم، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُور ﴾ [الحج: 66]. فلا تكونوا من الكافرين ولا الكفورين، أدُّوا مناسكَكم وشعائركَم، كما أمركم ربكم، وعلى طريقة نبيكم صلى الله عليه وسلم، لأن ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم ﴾ [الحج: 67].
إذا كنا كذلك؛ طائعين لله، على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، داعين إلى الله، فنحن موفَّقون على هدى مستقيم لا اعوجاج فيه.
أيها الحاج! اترك المنازع في دين الله، اترك المجادل في هديِ رسول الله، ﴿ وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُون ﴾ [الحج: 68] واترك أمر المنازعين المعاندين المجادلين إلى الله ﴿ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون ﴾ [الحج: 69].
أيها المسلم أيها الحاج! ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير ﴾ [الحج: 70] فكما أنه سبحانه له الملك كله؛ فله العلم كله، علم ما في السماء وما في الأرض، وعلم الظواهر وما في الصدور، وعلمُ المخبوء والمكتوم والمستور، فلم يعيَ بعلم من العلوم وإن دقَّ أو جلّ، أو عظم أو كثر أو قلَّ.
فسُورَة الحجِّ أيها الحاج! تذكِّرك، وتخوِّفك ممن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
أخي الحاجّ!! احمَد الله أن جعلك مؤمنا موحدا، وهداك للإيمان والإسلام، فها أنت تحج بيت الله الحرام، وغيرُك مِمَّن طُمِست بصيرتُه، وانتكسَت فطرتُه؛ خالفوا البصائرَ والفطر، ولم تنفع فيهم الآيات والعبر ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِير ﴾ [الحج: 71] فلم يأمرْهم أحدٌ -لا ملَكٌ ولا نبيٌّ- بعبادة غير الله، ولم توجد عندهم علومٌ ليعبدوا عن طريقها آلهةً أخرى، وإنما سوَّل لهم الشيطان الكذاب، وزين لهم أعمالهم فصدهم عن السبيل، إذا كلَّمهم الرسل عليهم الصلاة والسلام أو دعاهم الدعاة فلا يستمعون، بل ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِير ﴾ [الحج: 72].
هكذا إذًا! غَضَبٌ عند سماع الآيات، ومحاولةُ الاعتداء على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. إن هؤلاء إن ماتوا على ذلك فمصيرهم بئس المصير؛ النار.
أيها المسلمون! أيها الحجاج! لا تتعلق قلوبكم بغير الله سبحانه، في جلب النفع، ودفع الضر، فكل ما يعبد من دون الله كالحشرات الحقيرة، التي إذا سلبت الإنسانَ شيئا لا يقدر على استرداده، قال سبحانه للناس: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب ﴾ [الحج: 73] فإياك أخي الحاج أن تطلب شيئا مما لا يقدر عليه إلا الله، من غير الله جلا جلاله.
فالكافرون والمشركون وضعاف الإيمان من المنتسبين إلى المسلمين؛ ﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ﴾[الحج: 74] فلا تتشبه بهم أيها الحاج! فهم ما قدروا الله حق قدره؛ فتمسحوا بالأحجار، وطافوا حول القبور، وقدسوا الأشجار، ودعوا واستغاثوا بالأولياء والصالحين، الأحياء منهم والميِّتين.
فعلينا جميعا أن نعلم أن ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير ﴾ [الحج: 75].
يصطفي الرسل، ويختار الأصفياء لأنه وحده ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُور ﴾ [الحج: 76].
فلعلك أخي الحاجّ! أن تكونَ ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾ [الحج: 77].
فآمنتَ بالله، وركعتَ لله، وسجدتَ لله، وعبدتَ الله، وفعلتَ الخير مع خلق الله، فإن كنتَ كذلك؛ فأنت من المجاهدين المستجيبين لأمر الله القائل:
﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير ﴾ [الحج: 78].
فالحج سبيل من سبُل الله، ورد في (أخبار مكة للفاكهي) بسنده عن أمِّ معقل قالت: كان علي حجةٌ، وكان أبو معقل قد أعدَّ بكرًا له في سبيل الله تعالى، فسألته البَكْرَ =أي الفتي من الإبل=، فكأنه أَبَى، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ادفعْه إليها فلتحجُج عليه، إنه من سبيل الله تعالى» أو نحوه.
وفي رواية "أما إنك لو كنت حججت بها -يعنى على الجمل الحبيس- كان فى سبيل الله أقرئها منى السلام ورحمة الله وأخبرها أنها تعدل حجة معى عمرة فى رمضان" (الحاكم عن ابن عباس) (1/658)، أبو داود (1990)، وابن خزيمة (4/361، رقم 3077)، والبيهقى (6/164، رقم 11699). وصحيح الجامع (1599).
وقال البخاري في صحيحه: [بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾؛ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، وَيُعْطِي فِي الْحَجِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنْ الزَّكَاةِ جَازَ، وَيُعْطِي فِي الْمُجَاهِدِينَ، وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ تَلا: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ الآيَةَ، فِي أَيِّهَا أَعْطَيْتَ أَجْزَأَتْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي لاسٍ: حَمَلَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ..]
وهذه مجموعة من الأحاديث الثابته في فضائل الحج صحيح الجامع الصغير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينظرون أخرى"(حم هـ عن ابن عمرو).
"أديموا الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد" (الدارقطني في الأفراد طس) عن جابر.
"استمتعوا من هذا البيت فإنه قد هدم مرتين ويرفع في الثالثة"(طب ك) عن ابن عمر.
"اعبد الله لا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة المكتوبة، وأد الزكاة المفروضة، وحج واعتمر، وصم رمضان، و انظر ما تحب للناس أن يأتوه إليك فافعله بهم، وما تكره أن يأتوه إليك فذرهم منه" (طب) عن أبي المنتفق.
"أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة برة، تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها". (طب) عن ماعز.
"إن الله تعالى يقول: إن عبدا أصححت له جسمه، ووسعت عليه في معيشته؛ تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم" (ع حب) عن أبي سعيد.
"إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك" (ك) عن عائشة.
"ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟ حج البيت" (طب) عن الشفاء.
"تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعةَ بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد". (هـ) عن عمر.
"ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل، ورجل خرج غازيا في سبيل الله تعالى، ورجل خرج حاجا" (حل) عن أبي هريرة.
"الحج جهاد كل ضعيف" (هـ) عن أم سلمة.
"الحجاج والعمار وفد الله؛ دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم" (البزار) عن جابر.
"عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له؛ من مرض أو حاجة". (حل هق) عن ابن عباس.
"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما من الذنوب والخطايا، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" عن عامر بن ربيعة.
"قفوا على مشاعركم هذه؛ فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم".
"ما العمل في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة، ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء". (خ د ت) عن ابن عباس.
"ما أهل مهلَّ قطٌّ، ولا كبَّر مكبِّر قط إلا بشر بالجنة" (طس) عن أبي هريرة.
"ما ترفع إبلُ الحاجِّ رجلا ولا تضع يدا؛ إلا كتب الله تعالى له بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة". (هب) عن ابن عمر.
"من طاف بالبيت سبعا، وصلى ركعتين؛ كان كعتق رقبة". (هـ) عن ابن عمر.
"من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه، كان كعتق رقبة؛ لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حطَّ الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة". (ت ن ك) عن ابن عمر.
اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا وتجارة لن تبور.
من الآية (58) إلى آخر السورة
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 103].
﴿ يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً * يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم وَيَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً ﴾ [الأحزاب:69 - 70].
أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إنها سورة الحج، قال الله تعالى في الآية الثامنةِ والخمسين: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين ﴾ [الحج:58]، والحجُّ هجرةٌ من الأوطان، ومفارقةٌ للأهل والأصحابِ والخلان، ففي الحجيج مشابهةٌ بالمجاهدين في سبيل الله سبحانه، فهم معرَّضون للقتل من قطاع الطرق واللصوص، أو الموت بحادث أو مرض ونحوه، فالله يتولاهم في دنياهم وأخراهم، ولن يضيع أعمالهم، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" متفق عليه. قال النووي: [وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِنَّهُ يُبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مُلَبِّيًا، وَمُلَبِّدًا، وَيُلَبِّي) مَعْنَاهُ: عَلَى هَيْئَته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا، وَمَعَهُ عَلامَةٌ لِحَجِّهِ، وَهِيَ دَلالَةُ الْفَضِيلَة، كَمَا يَجِيء الشَّهِيد يَوْم الْقِيَامَة وَأَوْدَاجه تَشْخَب دَمًا]. من شرح النووي على مسلم.
وأورد ابن حجر في فتح الباري: [عَنْ عَابِس بْن رَبِيعَة -وَهُوَ بِمُوَحَّدَةِ وَمُهْمَلَة- أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر يَقُول وَهُوَ يَخْطُب: (إِذَا وَضَعْتُمْ السُّرُوج؛ فَشُدُّوا الرِّحَال إِلَى الْحَجّ وَالْعُمْرَة، فَإِنَّهُ أَحَد الْجِهَادَيْنِ) وَمَعْنَاهُ؛ إِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ الْغَزْو؛ فَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَتَسْمِيَةُ الْحَجّ جِهَادًا؛ إِمَّا مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ أَوْ عَلَى الْحَقِيقَة، وَالْمُرَاد جِهَادُ النَّفْس؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِدْخَال الْمَشَقَّة عَلَى الْبَدَن وَالْمَال..] فتح الباري (3/ 381).
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ؛ أَفَلا نُجَاهِدُ؟! قَالَ: "لا! لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ؛ حَجٌّ مَبْرُورٌ" البخاري (1520) فتح الباري (3/ 381). أي والله إن المجاهدين والحجاج ﴿ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيم ﴾ [الحج: 59]
إن ما يحدث بين الحجيج من بعض الخلافات الكلامية، والاعتداءات المعنوية التي تصدر من هنا وهناك، تذكرنا بها هذه الآية ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُور ﴾ [الحج: 60] فتحثنا على الصبر والصفح والعفو واحتمال الآخرين.
ألا واعلموا أيها الحجيج خاصة والناس عامة! أن الأعمارَ كلَّها أيامٌ وليالٍ، بل الدنيا كلُّها أيامٌ وليال، كيف يكون ذلك؟ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير ﴾ [الحج: 61]
أيها الحجاج! وحِّدوا الله، واعبدوه ولا تشركوا من دونه أحدا، فكل معبود غيره فهو باطل ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير ﴾ [الحج: 62] فالطواف عبادة فلا طاف بغير بيته، ولا قبلةَ غير بيته، ولا حج إلاّ إلى بيته. ولا نتوجه بالدعاء إلا إليه، ولا نتوكل إلا عليه.
فهذه الآيات الكونية المرئية كما تدلُّ على وحدانية الله سبحانه، قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير ﴾ [الحج: 63]؛ فكذلك العبودية لا تكون إلا له وحده سبحانه، وهو غني عنا عبادة العباد، لماذا لأن ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد ﴾ [الحج: 64].
أيها الحاج! إذا كنت قد أتيت تضرب فجاج الأرض التي سخرها لك الله جل جلاله، فوحد الله عندما ترى الجبال الشامخة، والأراضي الشاسعة، والبلدان الواسعة، والسهول والوهاد والمرتفعات والوديان..، وإن جئت حاجًّا تمخر عباب البحار؛ فتفكر في تلاطم الأمواج، وبعد غور المياه، وطعمها الملح الأجاج، وما فيها من مختلف الأسماك والحيوانات التي تراها تجري من حولك أفواج أفواج، فسبح من سخرها للإنسان لحما طريا.
وإن جئت تشق الهواء عبر السحاب؛ فوحد الله سبحانه الذي سخر لك هذا وما كنت له من المقرنين، ترى من تحتك السحاب والغيوم، ومن فوقك الفضاء والنجوم، فسبح بحمد ربك حين تقعد وحين تقوم، هذا كله من تيسير الله لنا وتسخيره. قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم ﴾ [الحج: 65] أي واللهِ إن الله بالناس لرؤوف رحيم.
أيها الحجاج! إنه الله، منه بداية الخلق، وإليه نهايتهم، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُور ﴾ [الحج: 66]. فلا تكونوا من الكافرين ولا الكفورين، أدُّوا مناسكَكم وشعائركَم، كما أمركم ربكم، وعلى طريقة نبيكم صلى الله عليه وسلم، لأن ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم ﴾ [الحج: 67].
إذا كنا كذلك؛ طائعين لله، على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، داعين إلى الله، فنحن موفَّقون على هدى مستقيم لا اعوجاج فيه.
أيها الحاج! اترك المنازع في دين الله، اترك المجادل في هديِ رسول الله، ﴿ وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُون ﴾ [الحج: 68] واترك أمر المنازعين المعاندين المجادلين إلى الله ﴿ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون ﴾ [الحج: 69].
أيها المسلم أيها الحاج! ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير ﴾ [الحج: 70] فكما أنه سبحانه له الملك كله؛ فله العلم كله، علم ما في السماء وما في الأرض، وعلم الظواهر وما في الصدور، وعلمُ المخبوء والمكتوم والمستور، فلم يعيَ بعلم من العلوم وإن دقَّ أو جلّ، أو عظم أو كثر أو قلَّ.
فسُورَة الحجِّ أيها الحاج! تذكِّرك، وتخوِّفك ممن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
أخي الحاجّ!! احمَد الله أن جعلك مؤمنا موحدا، وهداك للإيمان والإسلام، فها أنت تحج بيت الله الحرام، وغيرُك مِمَّن طُمِست بصيرتُه، وانتكسَت فطرتُه؛ خالفوا البصائرَ والفطر، ولم تنفع فيهم الآيات والعبر ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِير ﴾ [الحج: 71] فلم يأمرْهم أحدٌ -لا ملَكٌ ولا نبيٌّ- بعبادة غير الله، ولم توجد عندهم علومٌ ليعبدوا عن طريقها آلهةً أخرى، وإنما سوَّل لهم الشيطان الكذاب، وزين لهم أعمالهم فصدهم عن السبيل، إذا كلَّمهم الرسل عليهم الصلاة والسلام أو دعاهم الدعاة فلا يستمعون، بل ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِير ﴾ [الحج: 72].
هكذا إذًا! غَضَبٌ عند سماع الآيات، ومحاولةُ الاعتداء على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. إن هؤلاء إن ماتوا على ذلك فمصيرهم بئس المصير؛ النار.
أيها المسلمون! أيها الحجاج! لا تتعلق قلوبكم بغير الله سبحانه، في جلب النفع، ودفع الضر، فكل ما يعبد من دون الله كالحشرات الحقيرة، التي إذا سلبت الإنسانَ شيئا لا يقدر على استرداده، قال سبحانه للناس: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب ﴾ [الحج: 73] فإياك أخي الحاج أن تطلب شيئا مما لا يقدر عليه إلا الله، من غير الله جلا جلاله.
فالكافرون والمشركون وضعاف الإيمان من المنتسبين إلى المسلمين؛ ﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ﴾[الحج: 74] فلا تتشبه بهم أيها الحاج! فهم ما قدروا الله حق قدره؛ فتمسحوا بالأحجار، وطافوا حول القبور، وقدسوا الأشجار، ودعوا واستغاثوا بالأولياء والصالحين، الأحياء منهم والميِّتين.
فعلينا جميعا أن نعلم أن ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير ﴾ [الحج: 75].
يصطفي الرسل، ويختار الأصفياء لأنه وحده ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُور ﴾ [الحج: 76].
فلعلك أخي الحاجّ! أن تكونَ ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾ [الحج: 77].
فآمنتَ بالله، وركعتَ لله، وسجدتَ لله، وعبدتَ الله، وفعلتَ الخير مع خلق الله، فإن كنتَ كذلك؛ فأنت من المجاهدين المستجيبين لأمر الله القائل:
﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير ﴾ [الحج: 78].
فالحج سبيل من سبُل الله، ورد في (أخبار مكة للفاكهي) بسنده عن أمِّ معقل قالت: كان علي حجةٌ، وكان أبو معقل قد أعدَّ بكرًا له في سبيل الله تعالى، فسألته البَكْرَ =أي الفتي من الإبل=، فكأنه أَبَى، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ادفعْه إليها فلتحجُج عليه، إنه من سبيل الله تعالى» أو نحوه.
وفي رواية "أما إنك لو كنت حججت بها -يعنى على الجمل الحبيس- كان فى سبيل الله أقرئها منى السلام ورحمة الله وأخبرها أنها تعدل حجة معى عمرة فى رمضان" (الحاكم عن ابن عباس) (1/658)، أبو داود (1990)، وابن خزيمة (4/361، رقم 3077)، والبيهقى (6/164، رقم 11699). وصحيح الجامع (1599).
وقال البخاري في صحيحه: [بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾؛ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، وَيُعْطِي فِي الْحَجِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنْ الزَّكَاةِ جَازَ، وَيُعْطِي فِي الْمُجَاهِدِينَ، وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ تَلا: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ الآيَةَ، فِي أَيِّهَا أَعْطَيْتَ أَجْزَأَتْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي لاسٍ: حَمَلَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ..]
وهذه مجموعة من الأحاديث الثابته في فضائل الحج صحيح الجامع الصغير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينظرون أخرى"(حم هـ عن ابن عمرو).
"أديموا الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد" (الدارقطني في الأفراد طس) عن جابر.
"استمتعوا من هذا البيت فإنه قد هدم مرتين ويرفع في الثالثة"(طب ك) عن ابن عمر.
"اعبد الله لا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة المكتوبة، وأد الزكاة المفروضة، وحج واعتمر، وصم رمضان، و انظر ما تحب للناس أن يأتوه إليك فافعله بهم، وما تكره أن يأتوه إليك فذرهم منه" (طب) عن أبي المنتفق.
"أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة برة، تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها". (طب) عن ماعز.
"إن الله تعالى يقول: إن عبدا أصححت له جسمه، ووسعت عليه في معيشته؛ تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم" (ع حب) عن أبي سعيد.
"إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك" (ك) عن عائشة.
"ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟ حج البيت" (طب) عن الشفاء.
"تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعةَ بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد". (هـ) عن عمر.
"ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل، ورجل خرج غازيا في سبيل الله تعالى، ورجل خرج حاجا" (حل) عن أبي هريرة.
"الحج جهاد كل ضعيف" (هـ) عن أم سلمة.
"الحجاج والعمار وفد الله؛ دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم" (البزار) عن جابر.
"عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له؛ من مرض أو حاجة". (حل هق) عن ابن عباس.
"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما من الذنوب والخطايا، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" عن عامر بن ربيعة.
"قفوا على مشاعركم هذه؛ فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم".
"ما العمل في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة، ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء". (خ د ت) عن ابن عباس.
"ما أهل مهلَّ قطٌّ، ولا كبَّر مكبِّر قط إلا بشر بالجنة" (طس) عن أبي هريرة.
"ما ترفع إبلُ الحاجِّ رجلا ولا تضع يدا؛ إلا كتب الله تعالى له بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة". (هب) عن ابن عمر.
"من طاف بالبيت سبعا، وصلى ركعتين؛ كان كعتق رقبة". (هـ) عن ابن عمر.
"من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه، كان كعتق رقبة؛ لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حطَّ الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة". (ت ن ك) عن ابن عمر.
اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا وتجارة لن تبور.
اوراق مبعثرة- عضو نشيط
- جنسية العضو : غير معروف
عدد المساهمات : 22
تاريخ التسجيل : 10/09/2014
أسكن عيوني يا الغلا- نائبة الادارة
- جنسية العضو : بحرينية
الأوسمة :
عدد المساهمات : 1066
تاريخ التسجيل : 02/09/2013
مواضيع مماثلة
» الواجب عليهم الحج وهل المريض يسقط عنه وجوب الحج والعمرة؟
» الحج المبرور معناه وكيف يكون ملف كامل عن الحج
» الحج المبرور معناه وكيف يكون ملف كامل عن الحج
» الحج المبرور معناه وكيف يكون ملف كامل عن الحج
» سورة الواقعة - سورة 56 - عدد آياتها 96 كتابية
» الحج المبرور معناه وكيف يكون ملف كامل عن الحج
» الحج المبرور معناه وكيف يكون ملف كامل عن الحج
» الحج المبرور معناه وكيف يكون ملف كامل عن الحج
» سورة الواقعة - سورة 56 - عدد آياتها 96 كتابية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 8:48 pm من طرف جنى بودى
» افضل دكتور نساء و توليد في مصر
السبت أكتوبر 12, 2024 12:01 am من طرف جنى بودى
» حلويات دزرت الطبيعية لتخلص من التدخين
الأحد أكتوبر 06, 2024 6:35 pm من طرف مدام ششريهان
» الحرائق الكهربائية المنزلية في السعودية: أسبابها وأهم طرق الوقاية منها
الخميس أكتوبر 03, 2024 11:19 pm من طرف جنى بودى
» الحرائق الكهربائية المنزلية في السعودية: أسبابها وأهم طرق الوقاية منها
الخميس أكتوبر 03, 2024 11:17 pm من طرف جنى بودى
» شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الخميس أكتوبر 03, 2024 5:03 pm من طرف سها ياسر
» الأمان الكهربائي في المنازل السعودية: ضرورة حتمية لا رفاهية
الإثنين سبتمبر 30, 2024 9:37 pm من طرف جنى بودى
» الأمان الكهربائي في المنازل السعودية: ضرورة حتمية لا رفاهية
الإثنين سبتمبر 30, 2024 8:14 pm من طرف جنى بودى
» الأمان الكهربائي في المنازل السعودية: ضرورة حتمية لا رفاهية
الإثنين سبتمبر 30, 2024 8:08 pm من طرف جنى بودى
» الأمان الكهربائي في المنازل السعودية: ضرورة حتمية لا رفاهية
الإثنين سبتمبر 30, 2024 7:20 pm من طرف جنى بودى